رغم حبنا الشديد لأبناءنا إلا أننا قد نقسو عليهم بسبب أخطاءهم ثم نعود لنفرط في تدليلهم بسبب حبنا لهم، وهي المعضلة التي حاولت خبيرة التربية سناء عيسى معالجتها بأسلوب ممتع ومؤثر خلال برنامجها التربية بالحب، فجعلت الحب قاعدة خالصة في التربية لخلق حوار متوازن مع الطفل يسهل معه معالجة الكثير من الأخطاء.. حاورتها لمعرفة أسس برنامجها في التربية ومعرفة كيف تواجه الأم بعض مشكلات الأطفال.
1= في البداية نود أن نتعرف على برنامجك التربية بالحب؟
بالنسبة لمشروع التربية بالحب فغايته إيصال الحب الذي في قلوبنا إلى فلذات أكبادنا فهم يحتاجون الحب كحاجتهم إلى الماء والغذاء، والله خلق الأم بفطرتها القوية المليئة بالحب ولكن الفجوة في إيصاله للطفل وجعله يستشعره ويعيشه، ولقد وضعته بحكم ما عايشته من تجارب كثيرة من عملي كمعالجة عن طريق اللعب مع الأطفال وإستشارية نفسية للمراهقات وما عايشته من تأثير الأهل وأساليب التربية المتبعة على سلوك الأطفال ونفسياتهم وتقديرهم لذواتهم.
2= لماذا ركزتِ على جانب تدريب الأمهات تحديدًا؟
قررت أن أتجه لتدريب الأهل دورات التربية بالحب لأني لو عالجت طفل أو أكثر باليوم سأكون أنجزت فعلا، ولكن لو دربت عشر أمهات باليوم فسأكون ساعدت ما لا يقل عن عشرين طفل لأن كل أم لديها على الأقل طفلين، لذلك إخترت التدريب لكي أتمكن من زرع البسمة والأمل على وجه أكبر عدد ممكن من الأطفال، وجعلت رسالتي أن أجعل العالم مكانًا أكثر أمنا للأطفال إن شاء الله.
3= كيف تقومين على تعليمه ونشره؟
الحمد لله -التربية بالحب- ينتشر وبسرعة ولدي أعضاء ومشاركات من كافة البلدان العربية والغربية وصولا إلى أمريكا، فلقد بدأت في بريطانيا عن طريق القيام بدورات ميدانية مع العرب والأجانب ومن ثم قررت تكريس كل جهدي للعمل مع الفئات العربية، ومن خلال صفحة -التربية بالحب- على فيس بوك لقي المشروع قبولا كبيرًا والحمد لله وكأن الأمهات كانت عطشى ووجدت ما يرويها.
ولقد قمت بتطوير طرق التدريب حتى يصل التربية بالحب إلى أكبر عدد ممكن وبدأت بالعمل من خلال القاعات الصوتية أون لاين والإستشارات الفردية عبر برنامج سكايب.
كما أعتمد على نشر المقالات الهادفة والمفيدة والمليئة بالمهارات العملية بصيغة بسيطة تبتعد عن التشدق بالكلام أو كثرة المصطلحات العلمية فتخرج الكلمات من القلب لتصل إلى قلب كل قارئ وتلامس مشاعر الأمهات فأنا أيضًا أم لخمسة من الشباب ومررت بتجارب كثيرة في تربيتهم.
4= كيف تكون قاعدة كل التعاملات مع الطفل هي الحب فحسب؟
وإن كان شعاري الحب ومشروعي التربية بالحب لم يكن القصد الحب المعبر عنه بالحضن والضم والقبلات ولكن هي ضرورية أكيد لكنها فطرية لا تحتاج أن أقولها لكم، لكن ما أعنيه الحب بمعنى القدرة على التواصل مع الآخر بشكل روحاني وأن يشعر الطفل الذي أمامي أني أقدره وأقدر شخصيته وأحترمه كما هو بمشاكله، عفويته، تعبه، نجاحه، إخفاقه، أتقبله بكل حالاته، الحب هو أن استطيع إحتواء الطفل الذي أمامي بإنفعالاته وثوراته وغضبه وسكونه، الحب هو تعبيري عن نفسي بكل شفافية وصدق ولكن دون أن أهاجم الآخر وأسخط عليه، الحب هو أن أرى الطفل الذي أمامي بكينونته مستقل تماما عني ليس نسخة مني ولا إمتداد لي ولقناعاتي بل استطيع تشجيع وتحفيز قناعاته وبناء ما يطمح له.
إذًا الحب كشعور وحده لا يكفي لابد من ترجمة الحب على شكل مهارات التي تحقق الحوار والتواصل بصورة إيجابية وتعزز الإحترام المتبادل وتعطي ضوابط واضحة يفهمها الطفل ويسهل إتباعها، ولا أعني أن أدعه يركض بالشارع لأني أتقبله، ولا يعني أن أدعه يرسب بالمدرسة لأني أراه مستقل عني، الموضوع هو عبارة عن مهارات إتصال وتواصل مع الآخر تحقق لي النتيجة التي أرجوها وأريدها ولكن بأسلوب يحمي الطفل من أي خدش أو تعقيد أو آثار سلبية فالحب هنا هو طريقة التواصل مع الآخر.
5= وكيف نواجه أخطاء الطفل حينئذ ونتعامل معها؟
دورات التربية بالحب مليئة بالمهارات التي تعطي الأم خيارات واسعة وكثيرة لعلاج أغلب أخطاء الأطفال والتقليل منها وتحقيق تجاوب ملموس من دون الحاجة للصراخ ولا تكرار ولا التعنيف ولا حتى العقوبة، مهارات تحفظ كرامة الأطفال وإحترامهم وبنفس الوقت تعطي الأم الحزم والصرامة المطلوبة مع الحنية والتعاطف التي تمكنها من قيادة السفينة، في صورة حوار إيجابي.
6= بالنسبة للعقاب.. حدثينا متى يتوجب أن يكون هناك عقابا حازما، وكيف تعاقب الأم ابنها دون أن تأذيه؟
لا يوجد في قاموس التربية بالحب كلمة عقاب، ولا يمكن لأم أن تعاقب ابنها دون أن تؤذيه؟ فالعقوبة تحرص على قمع السلوك السلبي والثواب يكون لتعزيز السلوك الإيجابي فتكون العقوبة مدروسة متواصلة أو شدة وعصبية لعدم القدرة على تحمل التصرفات التي تخرج من الأطفال، وأحيانا تدليل وحضن وحب بإنتظار تجاوب وسلوك أفضل، للأسف التركيز على السلوك وتقييم العلاقة بأولادنا حسب سلوكهم وتقييم أنفسنا ونجاحنا بالتربية حسب تجاوب أطفالنا معنا كلها تصب في نفس الدائرة ولا تعطينا فرصة للالتقاء بالانسان.. الطفل الإنسان.
اذا كانت العلاقة مبنية على الحب الذي تحدثت عنه في البداية فلن يكون هناك عقابًا بل إتخاذ إجراء يحفظ كرامة الطفل وإحترامه لذاته ولأهله تعلمه تصحيح الخطأ وحل المشكلات ويصبح السلوك الخاطئ بحد ذاته مجال لتعليم الطفل دروس كثيرة للمستقبل تزيد من ثقته بنفسه وترفع تقديره لذاته.
7= كيف يمكن أن تصادق الأم ابنها وتجعله يخبرها بكل شئ ويستشيرها ويأخذ برأيها؟
أن تعطه الأمان والتقبل والإحترام، الإبتعاد كليا عن الإنتقاد والإحباط والحكم عليه وعلى قراراته، وعندما يستشيرها تقوم بدور الميسر للحوار ولا تعطه نصيحة مباشرة بأن تقول -مارأيك بـ....، هل جربت كذا- بدلا من أنصحك بهذا أو قم بذلك.
8= هل تعتقدين أن كل الأمهات يحتجن لدورات تدريبية في التربية أم يكفي الوعي والحكمة في التعامل؟
أنا أرحب بكل أم تقرر الإنضمام إلى دورات التربية بالحب والتي تتميز بمهارات عملية تستطيع الأم أن تطبقها وتحصد نتائجها فورا!. ولكن هذا القرار هو قرار الأم وحدها ولست بمحل أن أنصحها أو أن أجزم أن كل أم عليها أن تشارك بدورة.
لكن من تجربتي في التدريب فإن كل الأمهات اللواتي شاركن معي ومن ثم قمن بجهد التطبيق الفعلي على أرض الواقع والإستمرار في إستخدام المهارات وتوظيف العلم الذي تعلمنه في الدورة في بيوتهن حققن نتائج رائعة جدا وحققن تواصلًا روحانيًا وعلاقة قوية جدا مع أطفالهن، وكذلك كان هناك تحسن ملحوظ في مستوى أطفالهن الدراسي وعلاقة الأخوة مع بعضهم البعض وأصبح الجو العام للبيت أكثر هدوء وراحة من ذي قبل.
فالأمر إستثمار تضعه الأم اليوم وتحصده بمستقبل أطفالها غدًا.
الكاتب: أميرة زكي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.